إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الجمعة، 9 سبتمبر 2016

ذكرى ثورة30 يونيو المصرية

 
أحمد السنديوني


قبل أيام من ثورة 30 يونيو اتصل بي عند الثانية صباحاً الأستاذ أحمد السنديوني الذي يعمل محاسباً بارزاً في الجهاز المركزي للمحاسبات وقال: لقد أرسلت رسالة إلى الدكتور محمد علي بشر وزير التنمية المحلية "الإخواني"، وعضو مكتب الإرشاد، أذكره فيه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تنازل عن كتابة عبارة "من محمد رسول الله" بناء على طلب المشركين حتى يبرم معهم صلحاً، واكتفى باسمه "من محمد بن عبدالله" بينما لا يريد "الإخوان" أن يحقنوا الدماء باسم الدفاع عن الشرعية، وسأله: أيهما أولى وأرفع مقاماً: رسالة الإسلام أم الشرعية التي أعطاها الشعب وقد يأخذها. وبدا في صوت السنديوني انزعاج وانقباض وهو يقول لي: ما إن وصلت الرسالة إلى بشر حتى اتصل بي وقال لي إن الذين سينزلون يوم 30 يونيو هم مجموعة من المخرّبين، وعددهم لن يزيد على بضعة آلاف، وسينصرفون عند منتصف الليل وينتهي الأمر. وتابع السنديوني: حين قلت له: ماذا لو بقي بضعة آلاف من الشباب واعتصموا وأصروا على سحب الثقة من مرسي؟ فرد بشر سريعاً: الجيش سيسحلهم. ولما أبدى له دهشته مما سمع، فسر له بشر كل شيء: هل نسيت أن مرسي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والجيش يأتمر بأمره؟ فرد عليه: لكن الجيش سينحاز للناس كما فعل في ثورة يناير. ففوجئ به يقول له: القائد العام وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي منا ومعنا، وسينحاز للشرعية، وسينفذ أوامر رئيسه.
طمأنت السنديوني وقلت له: محمد علي بشر يريد إحباط الناس بترويج كلام عن انحياز وزير الدفاع ل"الإخوان"، والجماعة أشاعت عبر شُعبها ومكاتبها الإدارية في مختلف أنحاء الجمهورية هذا الكلام لتيئيس الشعب، وردعه قبل أن ينطلق طوفاناً عارماً في الشوارع لإسقاط حكم المرشد، ولتعلم أن القيمة المركزية عند القوات المسلحة هي التماسك، وهذا أمر يجعل انحيازها للشعب أمراً حتمياً، لأن القوام الرئيسي لها من المجندين المدنيين الذين لن يقتلوا أهلهم
كما يمني "الإخوان" أنفسهم أو يوهمونها، ولا تنسَ البيان التحذيري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 23 يونيو، ففيه تعبير واضح أن الجيش سيقف إلى جانب الإرادة الشعبية.
ومر يومان وجاء يوم الجمعة 28 يونيو فنزلت إلى ميدان التحرير مع النازلين، الذين هتفوا بحناجر قوية: "يسقط يسقط حكم المرشد" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، ورأيت كيف أراد الناس أن يستبقوا اليوم الذي تحدد للثورة بالسيطرة على ميدان التحرير، وإعطاء رسالة قوية للشعب كي يلتحق بالطليعة الثورية ويصنع ميادين مماثلة في كل مكان.
وفي يوم 29 يونيو تلقيت اتصالاً هاتفياً من الأستاذ حازم الشافعي وهو ناشط سياسي وحزبي من سكان "حي المنيل" قال لي فيها: أنت جئت يوم جمعة الغضب، 28 يناير 2011، وساهمت في قيادة مظاهرة أهل المنيل إلى ميدان التحرير، وفي هذا اليوم أسقطنا نظام مبارك بالفعل وكانت بقية الأيام تحصيل حاصل، وتفاؤلاً بهذا أدعوك لتأتي فتشاركنا مظاهرة مماثلة تسير إلى الميدان ضد مرسي.
واستجبت، وحين ذهبت وجدت أهل المنيل قد نصبوا منصة في منطقة الهلباوي، فلما رأوني جذبوني إليها، فألقيت كلمة حماسية عن أننا سنكمل طريقنا، ولن نغادر إلى بيوتنا حتى نسقط حكم مرسي، وحين نزلت أمسكت سيدة مسنة بكتفي وقالت لي والدموع تترقرق في عينيها: أنا من حزب الكنبة ولم أشارك في أي مظاهرة من قبل، ولم أكن أتصور أن أفعل هذا.. شكراً يا أولادنا، علمتونا وشجعتمونا، فقلت لها وأنا أشد على يديها: بل نحن الذين نتعلم منكم لأن الشعب هو القائد والمعلم.
كان الجميع هذه المرة يتحدث عن النزول من أجل إنقاذ مصر، وهو هدف مختلف عن أهداف كل المظاهرات التي شاركت فيها منذ اندلاع ثورة يناير، حيث كان المتظاهرون يتحدثون عن إنقاذ الثورة أو نصرتها، ولاحظت أنه منذ وصول "الإخوان" إلى الحكم أخذ الذين يستوقفوني في الشوارع، حيث أمضي، يقولون لي: "خلوا بالكم من مصر" وقبلها كانوا يقولون: "خلوا بالكم من الثورة"، وأدركت أن "الإخوان" قفزوا على ثورة 25 يناير وركبوا موجتها
ليحولوا دفتها لحساب مشروعهم الخاص بعيداً عن أهدافها الحقيقية في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وحين وصلت إلى الميدان وجدته مكتظاً عن آخره، لا مكان فيه لموضع قدم جديد، فطفتُ حوله لأدخل من باب اللوق إلى ميدان طلعت حرب، الذي كانت كل الشوارع الجانبية النابتة منه تغص بالبشر، من مختلف الطبقات والانتماءات السياسية، مسلمين ومسيحيين، وكان هتافهم يزلزل البنايات الواقفة تحرس ميدان التحرير: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم انطلق هتاف آخر، صرخت به الحناجر للمرة الأولى منذ ثورة يناير: "واحد.. اتنين... الجيش المصري
فين".
وكنت قد قطعت المسافة من مدخل ميدان طلعت حرب إلى فوهة التحرير في وقت طويل، ففي كل خطوة يستوقفني كثيرون ليسألوا أسئلة من قبيل: متى سنطيح بمرسي؟ وما موقف الجيش؟ وهل السيسي يميل إلي الجماعة أم أنه سينحاز إلى الميدان؟ ومع الإجابات تتولد أسئلة فرعية أخرى وإجابات صغرى.
كنت في الطريق قد تلقيت اتصالاً من الدكتور جمال زهران يخبرني فيه باجتماع طارئ للأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير لتداول الرأي حول ما يجري وإصدار بيان بشأنه. وكان الاجتماع في مقر مركز المستقبل بشقة في عمارة تطل على ميدان التحرير، ومن نوافذ الشقة وشرفتها يمكن رؤية جانب كبير من الحشد الذي يزخر به. وكان السؤال الذي يدور: ما العمل؟ وقبله سؤال: ما الذي سيجري؟ وثار تساؤل حول موقف الجيش، وبدا بعض الحاضرين غير مرحب بتدخله، وبعضهم يرى أن تدخله ضروري لمواجهة تنظيم "الإخوان" والمجموعات الإرهابية والمسلحة التي تحالف معها، وأن القوى الشعبية السلمية لن تتمكن من إسقاط جماعة مستعدة لأن تبقى في السلطة حتى لو سالت الدماء أنهاراً، وهو ما ظهر من خلال الخطاب الذي كان بدأ ينطلق من على منصة تقاطع رابعة منذ أن حل به أنصار "الإخوان" في 21 يونيو، متوعدين الكل بالويل والثبور وعظائم الأمور إن فكروا في النزول إلى الشوارع يوم 30
يونيو. فها هو من قال: "أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها" ويوجد من صرخ "سنسحقهم" وزادهم ذلك الذي نعت كل الراغبين في الثورة على مرسي بأنهم "كفار"، وصور الأمر على أنه معركة بين أنصار الدين والملحدين.
يومها سألت الحاضرين: هل أحد منكم يزعم أنه هو الذي أتى بالناس إلى ميدان التحرير؟ ردوا جميعاً: لا. فعدت لأسال: هل يملك أحد منكم أن يصدر لهم قراراً بالانصراف أو المكوث؟ قالوا: لا. فقلت: ماذا لو طلب كل هؤلاء تدخل الجيش مثلما جرى في ثورة يناير؟ هل بوسع أحد أن يمنعهم؟ أجابوا: مستحيل، فقلت: رغم أنني أشاطركم هواجسكم لكن يبدو أن الواقع يسير في اتجاه لا إمكانية لرده أو تغييره. وبينما أنا أتحدث فإذا بجلبة عارمة ترجُّ الدنيا رجاً، جرينا إلى النافذة، فوجدنا أول طائرة حربية قد هلت على فضاء الميدان قاطعة إياه من شرقه إلى غربه وفي ذيلها يرفرف علم مصر، بينما الحناجر تصرخ مرحبة، والهتافات تتعالى صاخبة، والأعلام في الأيدي ترفرف، وقبل كل هذا كل الأيادي ممدودة إلى السماء الذي تسبح فيه الطائرة وكأن أصحابها يقولون: أنقذونا.

بقلم / 
          د . عمار علي حسن 

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات :

إرسال تعليق